في مسألة الشيخة والشيخ

التعليق

 

(صورة لشخصيات مسلسل المكتوب)

تنوير بلا حدود

في مسألة الشيخة والشيخ

  عندما يتعلق الأمر بمسائل ترتبط بالوجدان الجماعي فإن اللغط يصل ذروته، لغط تعززه وسائل التواصل الاجتماعي وتدعمه التدوينات السريعة، التي ينبري أصحابها لمناصرة هذا الطرف أو ذاك. يرتد الأمر بكامله إلى نوع خاص من التنشئة الاجتماعية التي تلقاها الناس. ذلك أن أحكام الولاء المطلق أو الشيطنة المطلقة؛ وهي أحكام موروثة بالرضاعة، لا تسمح لصاحبها بالتفكير، بل يشرع مباشرة في الحكم الجاهز على الموضوع. فيصطف مباشرة مع الفئة الغالبة، ويصل به الأمر إلى حد الرغبة في "إبادة" الآخر المخالف.

 إن خطاب العاطفة؛ وهو الخطاب الذي تنقاد به جماهير غفيرة من الناس، لا يتجه إلى مخاطبة العقل، بل يخاطب وجدان الإنسان فيستميله نحو الوجهة التي يبتغيها المخاطِب. ولا يطلب من المخاطَب أن يفر في شيء، فالمخاطب فكر سلفا وله الإجابة الشافية الكافية عن الأمر، ولا ينتظر من المخاطب سوى أن يقبل سلوك الطريق المقصود بدون تردد أو اعتراض. وهذا أمر يرتد، في الواقع، إلى نوع خاص من التنشئة التي تلقاها الناس في مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة. التي ربت النشء على مفاهيم القبول والتسليم ولم تربهم على مفاهيم النقد والفحص.  

  إذا كان الإنسان يمتلك عقلا فإن أول المهام التي عليه أن يضطلع بها هي أن يفحص الأشياء التي تعرض أمامه، فلا يميل نحو أي وجهة إلا بعد أن تتضح له الرؤية ويفهم أصل الأشياء. ولا غرو في أن فلاسفة المرحلة الحديثة ناصروا العقل وثاروا ضد الآراء الجاهزة، التي تكبل الإنسان وتعوق تقدم المجتمع. فالتسليم الأعمى يخلق مجتمعا خاضعا. مجتمع لا يقدر على النقد ولا على الرفض ولا على التفكير. فنكون بذلك أمام مجتمع القطيع، المنقاد بالخبز والعاطفة.  

 لا يمارس الإعلام في المجتمعات المتخلفة أدوارا طلائعية؛ فهو، في أحسن حالاته، أداة في يد السلطة السياسية الحاكمة، التي تمرر قيمها من خلاله. كما لا يقوم الإعلام التقليدي على الإبداع، بل إنه يسعى جاهدا إلى نقل قيم الاستكانة والتسليم. وموازاة مع ذلك يبث قيما سالبة، تستجيب للنزوات التي يكبتها المجتمع علنا ويفجرها سرا، إنه إعلام الشيخة والشيخ، إعلام يكرس الغباء المزدوج، ولا مكان فيه للقيم العقلانية الرفيعة.

0 comments:

إرسال تعليق

أترك تعليقا للتعبير عن رأيك